الشكور مبالغة من شكر، ودائماً أسماء المبالغة إذا اقترنت بأسماء الله الحسنى فتعني إما عدد الشُكر أو حجم الشُكر، أما حجم الشُكر؛ فأنت قد تعيش في الدنيا لسنوات معدودات، سنوات قد تزيد على الستين سنة أو السبعين، فإذا أطعت الله في هذه السنوات المعدودات يَهَبُك حياةً أبدية لا تنقضي، إذا قِستَ هذه السنوات المعدودة إلى الحياة الأبدية فأنت ما فعلت شيئاً، فمعنى " شكور" أنه يعطيك على الشيء القليل الشيء الكثير، فعندما حدثنا النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه في الحديث القدسي قال : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ، هذا معنى " الشكور " ، نظير ثلاث وستين سنة عشتهما، انقضى خُمُسُهما حتى أصبحت مكلّفاً، يعني هذه السنوات المعدودة كل يوم خمس صلوات كلما رأت عينك امرأةً غضضت البصر عنها، وكلما لاح لك مبلغ من شُبُهة قلت معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين، يعني مجموعة صلوات ومجموعة أيام صمتها، ومجموعة مواقف خِفت فيها من الله عز وجل فاستحققت هذا العطاء الكبير.
والمعنى الآخر لكلمة " شكور " هو المعنى العددي، يعني لا يمكن أن تقدم شيئاً لله عز وجل إلا ويشكرك عليه.
ورد في بعض الكتب أن أبا لهب حينما علم بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام أعتق جارية ، فقيل : إنه يخفف عنه العذاب كل يوم اثنين ، وأنه أعتق أعتق هذه الجارية فرحاً بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام ، كل شيء محفوظ عند الله سبحانه يعني ولو أنقذت نملة ، قال تعالى:
" مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (النساء:147)"
قد تخدم شخصاً، الخدمة لا يمكن أن يشكرك عليها إلا إذا عرفها، مثلاً، كأن تزور مريضاً، فتحمل هدية وتتوجه إليه، في مدخل البيت أخذها منك ابنه، ولم يبلغه، ثم جلست عند المريض فهل يعقل أن يشكرك هذا المريض بقوله (فضلت، شكراً ) لا .. طبعاً إنه لم يدر بالهدية، فكيف يشكر وهو لا يعلم، لذلك ربنا عز وجل: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا " فهو يعلم، يعلم أي عمل مهما بدا صغيراً، لو أنقذت فراشةً، لو أنقذت نملة، لو رحمت إنساناً، لو أمّنت إنساناً خائفاً، أو هدأت من روع إنسان خائف، لو طمأنت إنساناً، لو أطعمت إنساناً جائعاً، كل شيءٍ محفوظ عِنَدَ الله.
أما الشكر في حق العباد فله طريقان، ويمكن أن نضيف لهما طريقاً ثالثة، شكر باللسان، وشكر بالعمل، ونقول لن يكون الشكر لا باللِسان ولا بالعمل إلا إذا عرفت النعمة، أساس الشُكر المعرفة، إذاً أنت تعرف ثم تشكر، لا تشكر ما لم تعرف.
فشكر العمل، مثلاً: هناك شخص قدم لك بيتاً، أو وظفك فهو إذاً قدّمَ لكَ شيئاً ثميناً، أو كُنتَ واقعاً في ورطٍة كبيرة فأنقذك منها، ثم رأيت ابنه في الطريق، فإذا قدمت لهذا الصغير قطعة حلوى فهذه الحلوى في الحقيقة شُكر لوالده، فأنت عبّرت عن امتنانك من أبيه بإكرام ابنه، هذا بشكل مبسط.
لذلك فالمؤمن إذا أسدى للعباد خدمات، أو إذا أسدى معروفاً لِمخلوق كائناً من كان، لِقطة، لجروٍ صغير، فقد ترى حيواناً قد مرض وتأخذه إلى مشفى بيطري أو إلى طبيب بيطري، فإذا أردت الحقيقة فهذا هو عين الشُكر، لأنك تُعبّر عن شُكرِكَ لله عز وجل وعن امتنانك له بخدمة مخلوقاته، إذا نصحت زبائنك نصيحةً صادقة، فهذا شُكر منك لله، إذا رحمت الناس، إذا عطفت عليهم، إذا أنصفتهم، إذا خففت من مآسيهم، إذا مسحت جراحهم، إذا أمنتهم من خوفهم، إذا قدمت لهم المعونة، إذا فعلت أي عمل صالح هو في الحقيقة تعبير عن امتنانك لله عز وجل من خلال عباده.
مثل آخر في مجال الحيوان، نعرف أُناساً يطعمون الطيور ويشعر أحدهم بلذة عارمة وبسعادة، فيشتري 2 كيلو أو ثلاثة من الحبوب، التي تصلح للطيور يضعها على السطح فترى سبعمائة أو ثمانمائة طير تسقط على السطح وتأكل يقول : كأني أتغذى أنا، شعور نبيل سامٍ، هؤلاء مخلوقات لله عز وجل، لذلك فالمؤمن وهو يقود مركبته يحرص حرصاً كبيراً على ألا يدهس بها مخلوقاً ، فمثلاً لو دهس غنمة لقطع أصحابها عنقه، لكن إذا دهس كلباً لا أحد يُحاسبه، ترى في الطرقات منها مئات مدهوسة، أما المؤمن فهو يعرف أن هذا الكلب حتى لو لم يكن ملكاً لأحد، ولو لم يكن هناك يحاسبه عليه، لكن يعلم أن الله ربه ويحاسبه، لذلك فالمؤمن يحرص حرصاً بالغاً على ألا يدهس حيواناً وإذا وقع منه من غير قصد يبادر إلى أداء صدقة فلعل الله سبحانه وتعالى يعفو عنه.
فالشُكر بالأفعال أن تعمل عملاً صالحاً مع كل مخلوق وليس مع المسلم فقط، حدثني أخ قال: رجل مُنعَم يركب سيارته الفخمة يمشي في طريق بين مدينة ومدينة رأى شاباً راكباً دراجة جنزيرها مقطوع والرجل له مكانته التجارية والاجتماعية، وسيارته فخمة ثمنها عشرات الملايين، وقف وأصلح له الدراجة، فكان هذا العمل سبب إسلام الشاب وإيمانه وأصبح من أخلص إخوانه لأنه أصلح له الدراجة.
والله الذي لا إله إلا هو ما من مخلوق ترحمه إلا شكر الله لك.. قال: بغيّ، والبغيّ معروفة، رأت كلباً يأكل الثرى من العطش فسقته فشكر الله لها وغفر لها و الحديث الشريف يقول:
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلأ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ * "(صحيح البخاري)
هذا هو الشكر..
إذا عرفت الله عز وجل ورأيت فضله عليك، فقد عرفت كيف تتعامل مع مخلوقاته أياً كانت، أقرأ هذه الآية مثلاً:
"... وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا "(النساء: 113)
والله إني أقرأها عشرات المرات ولا أشبع منها:
"... وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا "(النساء: 113)
أوجدك من عدم، عمرك الآن ثلاثون سنة، افتح كتاباً قد طبع سنة ألف وتسعمائة وثمانيةٍ وخمسين، فأثناء صف الحروف أين كنت أنت؟ أكان لك وجود؟ أكان لك ذكر؟ أكان لك حجم؟ أكان لك جرم؟ أكان لك أهمية؟ لم تكن موجوداً كلك، فأنعَمَ الله عليك بنعمة الوجود...
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) (البلد: 8-10)
له عينان يعني له شكل حسن، فالنبي الكريم كلما رأى وجهه في المرآة يقول: "عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي *"
أعطاك صورة أعطاك عقلاً أعطاك قلباً ورئتين... ألخ، شكا لي رجل بعض همومه فقلت له: أتحتاج صماماً لقلبك؟ قال لا، قلت له أتحتاج أن تغسل كليتيك كل أسبوع؟ قال: لا، قلت: أنت في نعمة عظيمة إذاً فاحمد الله تعالى.
حدثني أخ والقصة قديمة منذ عقدين تقريباً أثناء أحداث لبنان قال: جئت من " الهامة " فرأيت رجلاً واقفاً في ضاحية " دُمر " أيام البرد الشديد حاملاً طفلاً صغيراً يلفه بسترته، وبجانبه امرأة، وكانت الساعة الثانية عشر ليلاً، فقلن أوصلهم لدارهم، وإذا بالطفل حرارته مرتفعة جداً، واحدة وأربعون درجة وهذان أبواه أتيا من لبنان أثناء أحداث لبنان، سكنا في بيت في دمر ولا يعرفان أحداً في الشام، قال أركبتهم بالسيارة وأخذتهم إلى طبيب مناوب عالج الصغير واشترينا الدواء من صيدلية مناوبة، ذهبنا إلى مشفى لأعطي الطفل إبرة، وانتهينا الساعة الرابعة صباحاً، بقيت أسبوعين أو ثلاث مغموراً بسعادة لا تُوصف.
يقول بعضهم: والله نحنُ نُريد السعادة، السعادة بين يديك، إذا أردت أن تَسعَد فأسعد الآخرين، كل واحد منا يذوق لذة الأخذ، هو يقبض المال فيفرح ويمرح ولكن ما أحد ذاق لذة العطاء، العطاء له لذة أكثر، فعلى المسلم أن يزور مريضاً أو أن يقدم معونةً: " والله لأن أمشي مع أخٍ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا ".
الشُكر الثاني: أيها الإخوة أن تُثني على الله: يا رب أنت اللطيف، أنت الرحيم، أنت القوي، أنت الغني، أنت الرؤوف، يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، يا غفار الذنوب، يا ستار العيوب، أنت الذي تعطي ولا تسأل، تحلُم ولا تعجل.
لسانك ينطلق: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، يعني إذا أثنيت على الله، هذا شُكر أيضاً.
إذا رأيت مؤمناً من غير رواد جامعك ومن غير جماعتك، ورأيته مستقيماً محباً لله إن لم تحبه فلست مؤمناً، لما تُعمّق انتماءك فقط لجماعتك فأنت طائفي، أنت عُنصري محدود الأفق، بل عليك أن تنطلق إلى الناس جميعاً .. فالدعوة عامة..الإسلام للناس جميعاً، فأنا أُلِح ألا يقتصر العمل الطيب على من يلوذ بك أو ممن تعرف من العباد، لا.. بل خيرك للناس كافة، ولا تدري في أية لحظة يُشرق في نفس هذا الإنسان الذي أسديت إليه الجميل؛ فهذا هو الإيمان لعلَّ الله عز وجل يهدي بك وأنت لا تدري.
فمثلاً كان لأبي حنيفة النعمان جارٌ مغنٍ تارك صلاة شارب خمر لا ينيمه الليل وطول الليل يغني: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وطعان خلس
ذات ليلة لم يسمع أبو حنيفة غناء في البيت المجاور، يعني أن المغني لديه عارض عرض له، تفقده فوجده في السجن لقضية ما، فذهب إلى مدير السجن وشفع له، مدير السجن لم يُصدّق، وجد الإمام الأعظم عنده في المكتب، فأطلق إكراماً له كل من أُلقي القبض عليهم في تلك الليلة، وهو في طريقه قال له: يا فتى هل أضعناك.. نسيناك، فكان هذا المعروف سبباً لتوبته.
اجتهادك وبطولتك ليس في إسداء خدمةٍ لمؤمن، المؤمن سوي مثلك، تجلس إلى مؤمن فتقول: لقد أقنعته، وهو قانع أصلاً قبل أن تؤثر فيه، إذا كنت بطلاً تُقنع إنساناً تارك صلاة، تُقنع إنساناً عنده شكوك بالله عز وجل، هُنا البطولة، أن تُدخل على المجتمع المؤمن عنصراً جديداً، تجلس إلى عدو للدين عنده شبهات ولا يعبأ بالعلماء ولا يعبأ بالدين تقنعه تحلم عليه وتعطيه الأدلة القطعية، ويرى منك خُلُقاً حسناً، لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة فيشرح الله صدره، ومن بعد يصلي ثم يتوب، ويأتي إلى المسجد، ويعتاد المساجد وحلقات العلم، فهذه البطولة حقاً وليست البطولة أن تُفسد الناس على شيوخها، ولا الشيوخ على تلاميذها لا. فأنت مهمتك أن تُحدث عنصراً جديداً في المؤمنين البطولة على قدر المشقة وبحجم العمل الإيجابي النافع.
وبعد، فإن الشُكر يكون بالثناء، فالربّ سبحانه وتعالى إذا أثنى على عبده فقد شكره، أنت تثني على الله في مجالسك والناس يحبونك يحبونك لأحاديثك هذه ويمدحونك في غيبتك، هذا شُكر الله لك، إذا أحسنت للعباد يُحسن الله إليك
" هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (الرحمن: 60)"
والإمام الغزالي له كلمة، قال: " إذا كان الذي أخذ فأثنى شكوراً فالذي أعطى وأثنى أولى أن يكون شكوراً ".
الشكر يتوجه لمن؟ إما إلى الخالق وإما إلى المخلوق، ومن ثم فشكر الخالق مستحيل، أي أنك يستحيل عليه أن توفيه بشكرك له، لماذا؟ قالوا: لأن شُكر النعمة مشروط بمعرفة هذه النعمة، وما دامت معرفة النعمة مستحيلة فالشُكر مستحيل، والدليل:
" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (النحل: 18)"
ما دام يستحيل عليك أن تعرف نعمة الله كما هي إذاً يستحيل أن تشكر الله حق الشُكر، لهذا ماذا قال النبي: سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
الشكر مستحيل، أي توفي الله حقه من الشكر، مستحيل هذه واحدة.
الثانية: الشُكر نعمة من الله، فأنت تشكُر على نعمة والشُكر نفسه نعمة، فأنت في نِعم، يا رب كيف أشكرك وشُكرك لا يتم إلا بنعمة منك جديدة، إذاً أنت مفتقر إلى أن تكون شاكراً لله عز وجل.
هناك نقطة دقيقة وهامة: رؤية النعمة نعمة، الله عز وجل يعطيك مع استغنائه عنك، لكنك تشكُرَهُ مع افتقارك إليه وشتان بين هذا وذاك.
آخر ما ينبغي شد أفكار القاريء إليه بالموضوع يتلخص بالسؤال التالي والإجابة عليه: أسدى مخلوق إليك نعمة فلمن الشُكر؟ الجواب: لله فقط.. فهذا المخلوق الذي أكرمك مِن خلقه، أعطاه الله عز وجل قوةً وحياةً، والله عز وجل هو الذي سمح له أن يخدمك، كما ألهمه أن يخدمك، بماذا خدمك؟ أعطاك مثلاً طعاماً، من خلق الطعام؟ الله عز وجل، أعطاك مالاً وهذا المال قيمته بقيمة مشترياته، من خلق النِعم؟ الله عز وجل، إذاً الذي خلق والمُنعِم هو الله، والذي أَلهَمَهُ هو الله، والذي مَكَنَهُ هو الله، والذي خَلَقَ النِعمة التي هي موضوع عطائُك هو الله، والذي مكّنَكَ من أن تستفيد من هذه النعمة هو الله، إذاً الشُكر لله عز وجل، ولكن هذا المخلوق مادام مُخيّراً، إذاً يستحق أن تشكُرَهُ بعد الله عز وجل، فالشُكر لا تقل لله وفلان، بل قل لله ثم لفلان.
هذه ( ثم ) ضرورية جداً، الحمد لله على هذه النعمة التي أنعم الله بها علي ثم الشكر لفلان الذي جاءتني عن طريقه، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ *
لو فرضنا جاءك معروف من جماد، رجل ماشٍ في طريق مر بشرفة من إسمنت ومشى تحتها فوقع حجر من آخر البناية عليه، هذه الشرفة تلقت الحجر، لولا هذه الشرفة لهلك، فهل يشكر الشرفة ويقول: الله يجزيك الخير لأنك في هذا المكان، هذه شرفة جامدة لا تعقل، إذا جاءك خير من جماد أو من حيوان أو من مخلوق غير مكلف فالشُكر لله فقط، أما إذا جاءك خير من مخلوق مكلّف مخيّر، قلت: ما دخله إن الله سخّرَهُ ليّ، فهذا منتهى الوقاحة ومنتهى الجحود، إذا جاءك الخير من إنسان مكلّف يجب أن تشكُرَ الله لأنه خَلَقَهُ، وألهَمَهُ، وسَمَحَ لَهُ، ومَكَّنُه، وخَلَقَ الله النِعمة التي بين يديه وجعلك تنتفع بها، كله لله لكن ما دام مخيّراً وقدّمَ لك هذه النِعمة باختياره إذاً نزجي له الشُكر ثانياً بعد الله عز وجل.
وبعد، وقفه أخيره بالموضوع وهي لطيفة ؛ موازنة بين نعمة أسداها الله إليك ونعمة أسداها زيد إليك، قالوا: أولاً إن إنعام الأمير مكدر من وجوه أحدها أنك ربما احتجت إلى شيء ولا يعطيك إيّاه لأنه محتاج إليه، مرة كنت في الحج احتجتُ إلى ليتر ماء، فسألت حاجاً قال: والله يلزمني الماء، شكراً فمعه حق لأن الماء يلزمه. فأنت قد تطلب من إنسان شيئاً هو بحاجة إليه، وإن كنت بالمطار مثلاً وأردت أن تكتب بطاقة وليس معك قلم، فتقول لواحد: إذا سمحت أريد قلمك، يقول لك: أحتاجُهُ والله، فأنت إذا طلبت من إنسان حاجة قد يكون هو محتاج إليها فلا يعطيك إياها، أما إذا سألت الله عز وجل، فإنه يلبيك ولا يمنعك، وهذا أول فرق.
الأهم من ذلك أنه يمكن لفلان أن يعطيك، ولكن فلاناً ليسَ حاضراً الآن، فأنت مسافر وهو بالشام وعطاؤه مستحيل لبعد المسافة بينكما أما الله فهو معك دائماً، هذه النقطة الثانية، النقطة الأولى قد يكون الشخص قادراً على العطاء لكن الشيء محتاج إليه قبلك، النقطة الثانية أنك قد لا تستطيع أن تصل إلى هذا المنعم لسبب ما.
النقطة الثالثة ؛ أنك إذا قصّرتَ مع إنسان فإنه يقطع عنك فوراً، لكن الله تعالى قال: عبدي لي عليك فريضة ولك علي رزق فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك "
وفي ختام معالجتنا للموضوع أقول: الشكور الذي إذا نَوَّل أجزل، وإذا أطيع بالقليل قبل وهو الذي يقبل القليل ويعطي الجزيل، وهو الذي يقبل اليسير من الطاعات ويعطي الكثير من الدرجات، وقيل حقيقة الشُكر الغَيبة عن شهود النعمة بشهود المنعم.
الدول البعيدة العلمانية ماذا ترى بعينيها؟ النعمة فقط، وكل شيء ثمين عندها وله ثمن بينما المؤمن ماذا يرى؟ المُنعِم، وملخّص الدرس كله، أنك إذا استطعت أن تتجاوز النعمة إلى المُنعم فأنت شكور.
(منقول للفائده)