قال تعالى متوعِّدا ومنذرا : ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فهو على نور من ربه فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلوْبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ ﴾ [ الزمر : 22 ]
أي قست قلوبهم بسبب ذكر الله الذي لانت له قلوب المؤمنين وانشرحت صدورهم ، فاستقبلوا الدواء على أنه داء ، وتلقوا الغيث بسد المنافذ عليه ، وقابلوا الضيف المحمَّل بالهدايا بالأبواب المؤصدة ، فإذا ذُكر الله تعالى عندهم أو تُلِيت آياته اشمأزوا من ذلك وزادت قلوبهم قساوة وغلظة وشدة ، وللمبالغة في وصف أحياء القلب بالقبول ووصف قساة القلب بالصدود ؛ فقد ذكر الله شرح الصدر دون القلب الذي يسكن فيه ليدل على شدة قبول أحياء القلوب للإسلام حتى ملأ الصدر الأوسع من القلب ؛ بعكس قساة القلوب.
وسبب هذا التباين الرهيب والبون الشاسع : اختلاف قابلية القلب واستعداده للهداية ، فإن السبب الواحد تختلف آثاره وأفعاله باختلاف القلب المتلقي ونوعية التربة المستقبلة ، فذكر الله سبب لين القلوب وإشراقها إذا كانت القلوب سليمة من مرض العناد والمكابرة والكبر ، فإذا حلَّ فيها هذا المرض صارت إذا ذكر الله عندها أشد مرضا مما كانت عليه : ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [ الزمر : 45 ]
قلوب بذكر الله تزداد قسوة ** فلا الوعظ يُجدي ولا العُتب ينفع
أسوق لها طيب الكلام لعلها ** تلين فلا تصغي ولا تتخشَّع
إذا قلت هذا مدرج القوم فارتقي ** يقول الهوى : جدَّثت من لم يسمع
وإذا هوت يوما إلى الناس شهوة ** تراها إلى ما يُغضب الرب تُسرِع